كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> قال الذهبي‏:‏ أبناء الأنصار ليسوا من الأنصار كما أن أبناء المهاجرين ليسوا من المهاجرين ولا أولاد الأنبياء بأنبياء ويوضحه حديث ‏"‏اللّهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء الأنصار‏"‏ قال‏:‏ وبغض الأنصار من الكبائر

- ‏(‏حم ق‏)‏ في الإيمان ‏(‏ن‏)‏ كلهم ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

‏[‏ص 63‏]‏ 25 - ‏(‏آية المنافق‏)‏ أي علامته ‏(‏ثلاث‏)‏ من الخصال، أخبر عن آية بثلاث باعتبار إرادة الجنس أي كل واحد منها أو لأن مجموع الثلاث هو الآية‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ ويرجح الأول رواية أبي عوانة بلفظ علامات المنافق ثلاث الأولى ‏(‏إذا حدث كذب‏)‏ أي أخبر بخلاف الواقع ‏(‏و‏)‏ الثانية ‏(‏إذا وعد‏)‏ أحداً بخير في المستقبل ‏(‏أخلف‏)‏ أي جعل الوعد خلافاً بأن لا يفي به لكن لو كان عازماً على الوفاء فعرض مانع فلا إثم عليه كما يجيء في خبر، أما الشر فيندب إخلافه بل قد يجب ما لم يترتب على ترك إخلافه مفسدة ‏(‏و‏)‏ الثالثة ‏(‏إذا ائتمن‏)‏ بصيغة المجهول أي جعل أميناً وفي رواية بتشديد التاء بقلب الهمزة الثانية واواً وإبدال تاء والإدغام ‏(‏خان‏)‏ في أمانته أي تصرف فيها على خلاف الشرع ونقص ما ائتمن عليه ولم يؤده كما هو، وصح عطف الوعد على ما قبله لأن إخلاف الوعد قد يكون بالفعل وهو غير الكذب الذي هو لازم التحديث فتغايرا أو جعل الوعد حقيقة أخرى خارجة عن التحديث على وجه الادعاء لزيادة قبحه كما في عطف جبريل على الملائكة بادعاء بأنه نوع آخر لزيادة شرفه قال‏:‏

فإن تفق الأنام وأنت منهم * فإن المسك بعض دم الغزال

وخص هذه الثلاث لاشتمالها على المخالفة في القول والفعل والنية التي هي أصول الديانات فنبه على فساد القول بالكذب وفساد الفعل بالخيانة وفساد النية بالخلف وليس يتجه عليه أن يقال هذه الخصال قد توجد في المسلم والإجماع على نفي نفاقه الذي يصيره في الدرك الأسفل لأن اللام إن كانت للجنس فهو إما على منهج التشبيه والمراد أن صاحبها شبيه بالمنافق متخلق بأخلاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه أو الإنذار والتخويف أو الاعتياد والاضطرار ومصيره ديدناً وخلقاً كما يؤذن به حذف المفعول من حدّث لدلالته على العموم فكأنه قال إذا حدث في كل شيء كذب فيه وإن كانت للعهد فذلك في منافقي زمن النبي صلى الله عليه وسلم عموماً حدثوا بإيمانهم فكذبوا ووعدوا في نصر الدين فأخلفوا وائتمنوا في المال فخانوا، أو منافق خاص وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحداً بما يكره بل يستر فيقول‏:‏ ‏"‏ما بال أقوام يفعلون كذا‏"‏ ونحو ذلك أو يقال النفاق ضربان شرعي وهو إبطان الكفر وإظهار الإيمان وعرفي وهو أن يكون سره خلاف علانيته وهو المراد هنا‏.‏ قال الكرماني وتبعه ابن حجر‏.‏ وأحسن الأجوبة حمله على النفاق العملي ‏(‏حكى‏)‏ أن رجلاً من البصرة حج فجلس بمجلس عطاء بن أبي رباح فقال‏:‏ سمعت الحسن يقول‏:‏ من كان فيه ثلاث خصال لم أنحرج أن أقول إنه منافق‏.‏ فقال له عطاء‏:‏ إذا رجعت إليه فقل له‏:‏ عطاء يقرئك السلام ويقول لك‏:‏ ما تقول في أخوة يوسف إذ حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا أكانوا منافقين‏؟‏ ففعل فسر الحسن وقال‏:‏ جزاه الله خيراً‏.‏ وقال لأصحابه‏:‏ إذا سمعتم مني حديثاً فاصنعوا كما صنع أخوكم‏.‏ حدثوا به العلماء فما كان صواباً فحسن وإذا كان غير ذلك فردوه عليّ‏.‏ ثم إنه لا منافاة بين قوله‏:‏ ‏"‏ثلاث‏"‏ وقوله في خبر يجيء‏:‏ ‏"‏أربع‏"‏ بزيادة‏:‏ ‏"‏إذا عاهد غدر‏"‏ فرب شيء واحد له علامات كل منها تحصل بها صفته شيئاً وقد تكون العلامة واحداً وقد تكون أشياء أو أن الأربع ترجع إلى ثلاثة بإدخال ‏"‏إذا عاهد غدر‏"‏ في ‏"‏إذا ائتمن خان‏"‏

- ‏(‏ق‏)‏ وكذا أحمد ‏(‏ت ن‏)‏ كلهم في باب الإيمان ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ زاد مسلم في روايته عنه عقب ثلاث‏:‏ ‏"‏وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم‏"‏ أي وإن عمل أعمال المسلمين من صوم وصلاة وغيرهما من العبادات‏.‏

26 - ‏(‏آية‏)‏ بالتنوين ‏(‏بيننا وبين المنافقين‏)‏ نفاقاً عملياً، وأطلق عليهم اسم النفاق مبالغة في التهديد على ترك حضور الجماعة ‏(‏شهود‏)‏ أي حضور أي ترك حضور جماعة ‏(‏العشاء‏)‏ بكسر العين والمد لغة أول الظلام سميت به الصلاة لفعلها حينئذ ‏(‏والصبح‏)‏ بضم الصاد لغة أول النهار سميت به الصلاة ‏[‏ص 64‏]‏ لمثل ما ذكر ثم وجه ذلك بقوله ‏(‏لا يستطيعونهما‏)‏ أي فإنما نحن نستطيع فعلهما بنشاط وانبساط فلا كلفة علينا في حضور المسجد لصلاتهما جماعة وأما هم فثقيلتان عليهم فلا يستطيعون فعلهما بخفة ونشاط كما يوضحه حديث الشيخين‏:‏ ‏"‏أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والصبح‏"‏ وذلك لأن العشاء وقت استراحة والصبح وقت لذة النوم صيفاً وشدة البرد شتاء وأما المتمكنون في إيمانهم فتطيب لهم هذه المشقات لنيل الدرجات لأن نفوسهم مرتاضة بأمثالهما متوقعة في مقابلة ذلك ما تستخف لأجله المشاق وتستلذ بسببه المتاعب لما تعتقده في ذلك من الفوز العظيم بالنعيم المقيم والخلاص من العذاب الأليم، ومن ثم كانت قرة عين المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ومن طاب له شيء ورغب فيه حق رغبته احتمل شدته بل تصير لذته ولم يبال بما يلقى من مؤنته‏.‏ ومن أحب شيئاً حق محبته أحب احتمال محنته حتى إنه ليجد بتلك المحنة ضروباً من اللذة‏.‏ ألا ترى جاني العسل لا يبالي بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل‏؟‏ والأجير لا يعبأ بارتقاء السلم الطويل مع الحمل الثقيل طول النهار لما يتذكر من أخذ الأجرة بالعشي‏؟‏ والفلاح لا يتكدر بمقاساة الحر والبرد ومباشرة المشاق والكد طول السنة لما يتذكر من أوان الغلة فكذا المؤمن المخلص إذا تذكر الجنة في طيب مقيلها وأنواع نعيمها هان عليه ما يتحمله من مشقة هاتين الصلاتين وحرص عليهما بخلاف المنافق‏.‏ وأفاد قوله في حديث الشيخين‏:‏ ‏"‏أثقل‏"‏ أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى‏}‏ وأن بعضها أثقل من بعض‏.‏ واعلم أن المنافق يصلي‏:‏ لكن من حيث العادة لا القيام بالعبادة فهو لما أضمره في نفسه من كراهة الصلاة لا يرائي بها بل يصليها في بيته ‏.‏

<تنبيه> قال بعض العارفين لزوم الصبح في جماعة يسهل أسباب الدنيا الصعبة والعصر والعشاء فيها يورث الزهد ويقمع النفس عن الشهوات ويصحح الاعتقاد مع ما فيه من سلوك الأدب مع الله حال قسمته أرزاق العباد فإنهم تقسم أرزاقهم المحسوسة بعد الصبح والمعنوية بعد العصر والعشاء

- ‏(‏ص‏)‏ وكذا البيهقي في الشعب ‏(‏عن‏)‏ أبي محمد ‏(‏سعيد بن المسيب مرسلاً‏)‏ بفتح المثناة تحت ويجوز كسرها كما في الديباج والأول أشهر وهو رأس التابعين ورئيسهم وعالمهم وفردهم وفقيههم‏.‏ قال مكحول‏:‏ طفت الأرض فما لقيت أعلم منه، وقد أفردت مناقبه بالتأليف وهذا الحديث إسناده صحيح‏.‏

27 - ‏(‏آيتان‏)‏ تثنية آية وهو مبتدأ والخبر قوله ‏(‏هما قرآن‏)‏ أي من القرآن ‏(‏وهما يشفيان‏)‏ المؤمن من الأمراض الجسمانية والنفسانية بمعنى أن قراءتهما على المريض بإخلاص وهمة صادقة وقوة يقين تزيل مرضه أو تخففه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وننزل من القرآن ما هو شفاء‏}‏ ‏(‏وهما مما يحبهما الله‏)‏ القياس وهما مما يحبه الله ولعل التثنية من بعض الرواة وهما ‏(‏الآيتان‏)‏ فهو خبر مبتدأ محذوف ويجوز جعله بدلاً مما قبله ‏(‏من آخر‏)‏ سورة ‏(‏البقرة‏)‏ ومن بيانية أو للتأكيد ولجلالتهما ومحبته لهما أنزلهما من كنز تحت العرش‏.‏ وروى ابن الضريس وغيره عن ابن المنكدر مرفوعاً أنهما ‏"‏قرآن ودعاء ويدخلن الجنة ويرضين الرحمن‏"‏ وسميت البقرة لأن مقصودها إقامة الدليل على أن الكتاب هدى وأعظم ما يهدي إليه الإيمان بالغيب ويجمعه الأيمان بالآخرة ومداره على الإيمان بالبعث الذي أعربت عنه قصة البقرة فسميت بها وكانت بذلك أحرى من قصة إبراهيم لأنها في نوع البشر وما تقدمها في قصة بني إسرائيل من الإحياء بعد الإماتة بالصعق لأن الإحياء في قصة البقرة عن سبب ضعيف في الظاهر، وقد ورد في فضل الآيتين نصوص كثيرة وفيه ردّ على من كره أن يقال البقرة أو سورة البقرة بل السورة التي تذكر فيها البقرة‏.‏ وقول ابن الكمال لا حجة فيه لأن ما يكره من الأمة قد لا يكره من النبي صلى الله عليه وسلم غير سديد لأنا مأمورون بالإقتداء به في أقواله وأفعاله حتى يقوم دليل التخصيص

- ‏(‏فر عن أبي هريرة‏)‏ وفيه محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني فإن كان البردى فصدوق أو الكيال فوضاع كما في الميزان‏.‏

‏[‏ص 65‏]‏ 28 - ‏(‏ائت‏)‏ يا إنسان، فهو خطاب عام من باب قوله‏:‏

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته * وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

فهذا وأمثاله خطاب لجميع الأمة بحيث لا يختص به أحد دون أحد وقس عليه نظائره ‏(‏المعروف‏)‏ أي افعله ‏(‏واجتنب المنكر‏)‏ لا تقربه‏.‏ قال القاضي‏:‏ والمعروف ما عرفه الشرع أو العقل بالحسن والمنكر ما أنكره أحدهما لقبحه عنده‏.‏ قال الراغب‏:‏ والإتيان يقال للمجيء بالذات وبالأمر وبالتدبير وفي الخير وفي الشر وفي الأعيان والأعراض ومنه‏:‏ ‏{‏إنه كان وعده مأتيا‏}‏ وقولهم ائت المروءة من بابها ‏(‏وانظر‏)‏ أي تأمل يا إنسان ‏(‏ما يعجب أذنك‏)‏ أي الشيء الذي يسرك سماعه ويعظم في قلبك وقعه من أعجب بكذا إذا سره‏.‏ فإن قلت هلا اقتصر على قوله ‏"‏يعجبك‏"‏ وما فائدة ذكر الأذن والنفس هي المعجبة لا الأذن‏؟‏ قلت‏:‏ لما كان الاستحسان مقترناً بالسماع أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الخارجة التي يعمل بها أبلغ‏.‏ ألا تراك تقول‏:‏ إذا أردت التوكيد هذا مما أبصرته عيني وسمعته أذني وعرفه قلبي‏.‏ قال الراغب‏:‏ والأذن الجارحة المعروفة وتستعار لمن أكثر استماعه وقبوله لمن يسمع نحو‏:‏ ‏{‏ويقولون هو أذن‏}‏ ‏(‏أن يقول لك القوم‏)‏ أي فيك وعبر عنه بذلك نظراً إلى أنه إذا بلغه فكأنه خوطب به وهذا بيان لما أو بدل منه ‏(‏إذا أقمت من عندهم‏)‏ أي فارقتهم أو فارقوك يعني انظر إلى ما يسرك أن يقال عنك وفيك من ثناء حسن وفعل جميل ذكروك به حال غيبتك ‏(‏فأته‏)‏ أي افعله والزمه‏.‏ قال في الكشاف‏:‏ والقوم مؤنثة وتصغيرها قويمة ‏(‏وانظر الذي‏)‏ أي وتأمل الشيء الذي ‏(‏تكره أن يقول لك القوم‏)‏ أي فيك ‏(‏إذا قمت من عندهم‏)‏ من وصف ذميم كظلم وشح وسوء خلق ‏(‏فاجتنبه‏)‏ لقبحه، ونبه بذلك على ما يستلزمه من كف الأذى والمكروه عن الناس وأنه كما يحب أن ينتصف من حقه ومظلمته ينبغي له إذا كانت لأخيه عنده مظلمة أن يبادر لانتصافه من نفسه وإن كانت عليه فيها صعوبة، ومن ثم قيل للأحنف‏:‏ ممن تعلمت الحلم‏؟‏ قال‏:‏ من نفسي، كنت إذا كرهت شيئاً من غيري لا أفعل مثله بأحد ومصداقه في كلام الله القديم ففي الإنجيل‏:‏ كلما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوه أنتم بهم، هذا هو الناموس الذي أنزل على عيسى‏.‏ وأخرج البيهقي عن الحسن أن موسى سأل ربه جماعاً من الخير فقال‏:‏ اصحب الناس بما تحب أن تصحب به‏.‏ وأخرج عن ابن مسعود من أحب أن ينصف الناس من نفسه فليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه‏.‏ وقال الأحنف‏:‏ من أسرع الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون‏.‏ وقال الحكماء‏:‏ من قل توقيه كثرت مساويه‏.‏ والحاصل أن المنهج القويم الموصل إلى الصراط المستقيم والثناء العظيم أن يستعمل الإنسان فكره وقريحته فيما تنتج عنه الأخلاق المحمودة منه ومن غيره ويأخذ نفسه بما حسن منها واستملح ويصرفها عمن استهجن واستقبح فقد قيل كفاك تهذيباً وتأديباً لنفسك وترك ما كرهه الناس منك ومن غيرك‏.‏ قيل لروح الله عيسى‏:‏ من أدبك‏.‏ قال‏:‏ ما أدبني أحد، رأيت جهل الجاهل فتجنبته‏.‏ وقال الشاعر‏:‏

إذا أعجبتك خلال امرئ * فكنه تكن مثل من يعجبك

وليس على المجد والمكرما * ت إذا جئتها حاجب يحجبك

وقالوا‏:‏ من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق حقاً، وقال الشاعر‏:‏

لا تلم المرء على فعله * وأنت منسوب إلى مثله

من ذم شيئاً وأتى مثله * فإنما دل على جهله

- ‏(‏خد وابن سعيد‏)‏ في طبقاته ‏(‏و‏)‏ أبو القاسم ‏(‏البغوي‏)‏ نسبة إلى قصبة بن مرو وهراة يقال لها بغ وبعثور ‏(‏في معجمه‏)‏ أي معجم الصحابة ‏(‏و‏)‏ أبو منصور ‏(‏الباوردي‏)‏ بفتح الموحدة وآخره دال مهملة نسبة إلى بلد بنواحي خراسان يقال لها أيبورد وخرج منها جماعة من الفضلاء والمحدثين منهم هذا ‏(‏في المعرفة‏)‏ أي كتاب معرفة الصحابة ‏(‏هب عن حرملة‏)‏ بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الميم ‏(‏ابن عبد الله بن أوس‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الواو وربما نسب إلى جده ‏[‏ص 66‏]‏ فظن أنه غيره وليس كذلك كما نبه ابن حجر كغيره وهو التميمي العنبري الصحابي كان من أهل الصفة ونزل البصرة‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏قلت يا رسول الله ما تأمرني به أعمل‏؟‏ فقال‏:‏ ائت‏"‏ إلى آخره وكرر ذلك فكرر وكان من العباد، قال البغوي كان له مقام قد غاصت فيه قدماه لطول المقام ‏(‏وماله‏)‏ أي لحرملة ‏(‏غيره‏)‏ أي لم يرو غير هذا الحديث يعني لا تعرف له رواية غيره ولو عبر بذلك كان أولى، على أن ظاهر كلام ابن حجر خلاف ذلك وفيه عبد الله بن رجاء، أورده الذهبي في ذيل الضعفاء‏.‏ وقال‏:‏ قال الفلاس كثير الغلط والتصحيف ليس بحجة‏.‏ وقال أبو حاتم ثقة انتهى، لكن كلام الحافظ ابن حجر مصرح بحسن الحديث فإنه قال‏:‏ حديثه يعني حرملة في الأدب المفرد للبخاري ومسند الطيالسي وغيرهما بإسناد حسن وما جرى عليه المؤلف من أن اسم جده أوس ومن تبع فيه ابن منده وأبا نعيم لكن قال ابن عبد البر وغيره إنما هو إياس وقضية كلام ابن حجر ترجيحه فإنه جزم به ابن إياس أولاً ثم قال وقيل ابن أوس‏.‏

29- ‏(‏ائت حرثك‏)‏ أي محل الحرث من حليلتك وهو قبلها إذ هو لك بمنزلة أرض تزرع، قال الزمخشري‏:‏ شبهن بالمحارث لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل وقوله ‏{‏فأتوا حرثكم‏}‏ معناه ائتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون حرثها‏؟‏ قال‏:‏ ومن المجاز كيف حرثك‏؟‏ أي امرأتك، قال‏:‏

إذا أكل الجراد حروث قوم * فحرثي همه أكل الجراد ‏(‏أنى شئت‏)‏ أي كيف ومتى وحيث شئت ومن أي جهة شئت لا يخطر عليك جهة دون جهة عمم جميع الكيفيات الموصلة إليه إيماء إلى تحريم مجاورة ما سوى محل البذر لما فيه من العبث بعدم المنفعة فوسع الأمر إزاحة للعلة في إتيان المحل المنهي عنه‏.‏ وهذا من الكنايات اللطيفة والتعريضات البديعة، قال الطيبي‏:‏ وذلك أنه يبيح لهم أن يأتوهنّ من أي جهة شاؤا كالأراضي المملوكة وبذلك عرف سر تعبيره بأنى المفيدة لتعميم الأحوال والأمكنة والأزمنة‏.‏ وما ذكر من أن الدبر حرام هو ما استقر عليه الحال وعليه الإجماع الآن في الجملة‏.‏ وذهب شرذمة من السلف إلى حله تمسكاً بأن هذا الحديث وما أشبهه من أحاديث باب ورد على سبب وهو كما في معجم الطبراني عن ابن عمر أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها فأنكر ذلك الناس فأنزل الله ‏{‏نساؤكم حرث لكم‏}‏ الآية‏.‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه يعقوب بن حميد وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات ثم هذا عام مخصوص بغير حال نحو حيض وصوم وإحرام ‏(‏وأطعمها‏)‏ بفتح الهمزة أي الزوجة المعلومة من مرجع الضمير المعبر عنه بالحرث ‏(‏إذا طعمت‏)‏ بتاء الخطاب وكذا قوله ‏(‏واكسها‏)‏ بوصل الهمزة وسكون الكاف وضم المهملة وكسرها ‏(‏إذا اكتسيت‏)‏ قال القاضي وبتاء التأنيث فيهما غلط‏.‏ والكسوة بالكسر اللباس والضم لغة يقال كسوته إذا ألبسته ثوباً‏.‏ قال الحراني الكسوة رياش الآدمي الذي يستر ما ينبغي ستره من ذكر وأنثى وعبر ‏"‏بإذا طعمت‏"‏ إشارة إلى أنه يبدأ بنفسه للخبر الآتي‏:‏ ‏"‏ابدأ بنفسك ثم بمن تعول‏"‏ وفيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها وهو إجماع والواجب في النفقة عند الشافعي مدّان على الموسر ومد ونصف على المتوسط ومد على المعسر حباً سليماً من غالب قوت بلدها مع الأدم من غالب أدم البلد وفي الكسوة قميص وسروال وإزار وخمار ونعل ويزاد في الشتاء جبة أو أكثر بحسب الحاجة ومحل بسطه كتب الفقه وفيه ندب مؤاكلة الزوجة خلافاً لما يفعله الأعاجم ترفعاً وتكبراً وإنه إن أكل بحضرتها بعد دفع الواجب لها ينبغي أن يطعمها مما يأكل جبراً وإيناساً ‏(‏ولا تقبح‏)‏ بفوقية مضمومة وقاف مفتوحة وموحدة مشددة ‏(‏الوجه‏)‏ أي لا تقل إنه قبيح‏.‏ ذكره الزمخشري‏:‏ وقال القاضي‏:‏ عبر بالوجه عن الذات فالنهي عن الأقوال والأفعال القبيحة في الوجه وغيره من ذاتها وصفاتها فشمل نحو لعن وشتم وهجر وسوء عشرة وغير ذلك ‏(‏ولا تضرب‏)‏ ضرباً مبرحاً مطلقاً ولا غير مبرح لغير نشوز‏.‏ وقال الحراني‏:‏ وفيه إشارة بما يجري في أثناء ذلك من الأحكام التي لا تصل إليها أحكام حكام الأنام مما لا يقع الفصل فيه إلا يوم القيام من حيث إن ما يجري بين الزوجين سر لا يفشى وفي إشعاره إبقاء للمروءة في الوصية بالزوجة بحيث لا يحتكم الزوجان عند حاكم في الدنيا، وفيه تهديد على ما يقع في البواطن من المضارة والمضاجرة بين الزوجين في أمور لا تأخذها الأحكام ولا يصل ‏[‏ص 67‏]‏ إلى علمها الحكام وفيه أنه يحرم ضرب الزوجة إلا النشوز فإذا تحققه فله ضربها ضرباً غير مبرح ولا مدم فإن لم تنزجر به حرم المبرح وغيره، وترك الضرب مطلقاً أولى‏.‏ وقضية صنيع المؤلف أن مخرجه أبا داود رواه هكذا من غير زيادة ولا نقص ولا كذلك بل لفظه‏:‏ ‏"‏قال - أي معاوية بن حيدة - نساؤنا ما نأتي منها وما نذر‏؟‏ قال‏:‏ هي حرثك فأت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في المبيت وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها‏"‏ أي جاز وفيه حسن الأدب في السؤال والتعظيم بالكناية عما يستحيا من ذكره صريحاً والسعي فيما يديم العشرة ويطيب النفس

- ‏(‏د عن‏)‏ أبي عبد الملك ‏(‏بهز‏)‏ بفتح الموحدة وسكون الهاء وزاي معجمة ‏(‏ابن حكيم‏)‏ بفتح المهملة وكسر الكاف ابن معاوية ‏(‏عن أبيه عن جده‏)‏ معاوية بن حيدة الصحابي القشيري من أهل البصرة‏:‏ ‏"‏قال قلنا يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منها وما نذر‏؟‏ فذكره وبهمز، أورده الذهبي في الضعفاء وقال صدوق فيه لين وفي اللسان ضعيف وحكيم، قال في التقريب صدوق وسئل ابن معين عن بهز عن أبيه عن جده فقال‏:‏ إسناد صحيح إذا كان من دون بهز ثقة ولذلك رمز المصنف لحسنه‏.‏

30 - ‏(‏ائتوا‏)‏ أمر من الإتيان، وزعم ابن الأثير أنه ‏"‏ابنوا‏"‏ من البناء ومعناه ابنوا المساجد مكشوفة الجدر - وهم‏.‏ قال المؤلف‏:‏ ولعله تصحيف عليه ‏(‏المساجد‏)‏ جمع مسجد قال في المصباح وهو بيت الصلاة حال كونكم ‏(‏حسراً‏)‏ بمهملات بوزن سكر جمع حاسر أي كاشف يعني بغير عمائم‏.‏ قال الراغب‏:‏ والحسر كشف البدن مما عليه‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ حسر عمامته عن رأسه كشف وحسر كمه عن ذراعيه وكل شيء كشف فقد حسر وامرأة حسنة المحاسر ورجل حاسر مكشوف الرأس ‏(‏ومعصبين‏)‏ أي ساترين رؤسكم بالعصابة أي بالعمامة وهو بضم الميم وفتح العين وكسر الصاد مشددة‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ المعصب المتوج ويقال للتاج والعمامة عصابة‏:‏ يعني ائتوا المساجد كيف أمكن بنحو قلنسوة فقط أو بتعمم وتقنع ولا تتخلفوا عن الجمعة التي هي فرض عين ولا الجماعة التي هي فرض كفاية والتعمم عند الإمكان أفضل ‏(‏فإن العمائم‏)‏ جمع عمامة بكسر العين سميت به لأنها تعم جميع الرأس بالتغطية ‏(‏تيجان المسلمين‏)‏ مجاز على التشبيه أي كتيجان الملوك وفي رواية‏:‏ ‏"‏من سيما المسلمين‏"‏ أي علامتهم كما أن التاج سيما الملوك‏.‏ وما اقتضاه الحديث من كون فقد العمامة غير عذر في ترك الجمعة والجماعة محله فيمن يليق به ذلك أما لو كان خروجه إلى المسجد بدون العمامة لا يليق به فلا يؤمر بالإتيان حاسراً عند فقدها‏.‏ ‏"‏والتاج‏"‏ الإكليل تجعله ملوك العجم على رؤسها مرصعاً بجوهر كالعمامة للعرب‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ تقول ملك متوج وتوجوه فتتوج وفي صفة العرب العمائم تيجانها والسيوف سيجانها

- ‏(‏عد‏)‏ من رواية ميسرة بن عبيد عن الحكم بن عيينة عن ابن أبي يعلى ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين قال جدّنا الأعلى من قبل الأم الزين العراقي في شرح الترمذي وميسرة بن عبيد متروك ومن ثم رمز المؤلف لضعفه لكن يشهد له ما رواه ابن عساكر بلفظ‏:‏ ‏"‏ائتوا المساجد حسّراً ومقنعين فإن ذلك من سيما المسلمين‏"‏‏.‏

31 - ‏(‏ائتوا‏)‏ وجوباً ‏(‏الدعوة‏)‏ بالفتح وتضم على ما في القاموس لكن نوزع بتغليطهم لقطرب وتغلب في دعواهما جوازه كما حكاه النووي وغيره‏.‏ قال‏:‏ ودعوة النسب بكسر الدال وعكس بنو تيم الرباب ففتحوا دال دعوة النسب وكسروا دال دعوة الطعام انتهى‏.‏ وما نسبه لتيم الرباب نسبه صاحب الصحاح والمحكم لبني عدي الرباب والمراد بها هنا وليمة العرس لأنها المعهودة عندهم عند الإطلاق ‏(‏إذا دعيتم إليها‏)‏ وتوفرت شروط الإجابة، وهي عند الشافعية نحو عشرين، وخص الإتيان بالأمر ليفيد عدم وجوب الأكل أما وليمة غير العرس من الولائم العشرة المشهورة فإتيانها عند الدعاء إليها ‏[‏ص 68‏]‏ مندوب حيث لا عذر‏.‏ قال بعض حكماء الإسلام‏:‏ وإنما شرعت الإجابة لأن أصل الدعوة ابتغاء الألفة والمودّة ففي النفس هنات وفي الصدر منها سخائم والآدمي مركب على طبائع شتى والنفوس جبلت على حب من أكرمها لحبها للشهوات وأعظمها حب التعظيم وقضاء المنى ففي بر النفوس تقويمها وذلك عون لها على دينها فحث النبي الإجابة لتتأكد الألفة وتصفوا المودّة وينتفي وغر الصدر‏.‏ وفي ترك الإجابة مفاسد لا تكاد تحصى

-‏(‏م عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

32 - ‏(‏ائتدموا بالزيت‏)‏ إرشاداً وندباً أي كلوا الخبز ‏(‏بالزيت‏)‏ المعتصر من الزيتون والباء للإلصاق أو الاستعانة أو المصاحبة والإدام بالكسر والأدم بضم فسكون ما يؤتدم به، قال الزمخشري‏:‏ أدم الطعام إصلاحه بالأدم وجعله موافقاً للطاعم‏.‏ وقال المطرزي‏:‏ مدار التركيب على الموافقة والملائمة وهو يعم المائع وغيره ‏(‏وادهنوا به‏)‏ أي اطلوا به بدنكم بشراً وشعراً‏.‏ قال في الصحاح وغيره‏:‏ ادّهن على وزن افتعل تطلي بالدهن ‏(‏فإنه يخرج‏)‏ أي يتفصل ويظهر والخروج في الأصل الانفصال من المحيط إلى الخارج ويلزمه الظهور والمراد هنا أنه يعصر ‏(‏من شجرة‏)‏ أي من ثمرة شجرة ‏(‏مباركة‏)‏ لكثرة ما فيها من القوى النافعة أو لأنها لا تكاد تنبت إلا في شريف البقاع التي بورك فيها ويلزم من بركتها بركة ما يخرج منها والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء، ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس ولا يدرك قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة هو مبارك وفيه بركة‏.‏ ذكره الراغب، قال الغزالي‏:‏ والزيت يختص من سائر الادهان بخاصية زيادة الإشراق مع قلة الدخان‏.‏ واعلم أن المخصوص المخاطب بهذا الحديث أهل قطر مخصوص وهو الحجاز ونحوه‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ الدهن في البلاد الحارّة الحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لهم وأما بالبلاد الباردة فضار وكثرة دهن الرأس به فيه خطر بالبصر‏.‏ وأنفع الأدهان البسيطة الزيت فالسمن فالشيريج‏.‏ قال‏:‏ والزيت رطب حار في الأولى وغلط من قال يابس انتهى‏.‏ وكلا الإطلاقين غلط وإنما هو بحسب زيتونه فالمعتصر من نضيج أسود حار رطب باعتدال وهو أعدله وأجدوه ومن فج خام بارد يابس ومن زيتون أحمر متوسط والزيت ينفع من السم ويطلق البطن وعتيقه أشد إسخاناً وتحليلاً والمستخرج بالماء أبلغ نقعاً وهذا أنموذج من منافعه التي لا تكاد تحصى والشجر لغة ما بقي أصله بالأرض ويخلف إذا قطع وعرفاً ماله ساق

- ‏(‏ه ك‏)‏ وقال على شرطهما وأقرّه الذهبي ‏(‏هب‏)‏ وكذا الدارقطني في الأفراد وأبو يعلى وعبد بن حميد كلهم من حديث معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه ‏(‏عن عمر‏)‏ بن الخطاب ورواه الترمذي باللفظ المذكور عن عمر في العلل وذكر أنه سأل عنه البخاري فقال‏:‏ هو حديث مرسل‏.‏ قال‏:‏ قلت له رواه أحمد عن زيد بن أسلم عن عمر‏؟‏ قال‏:‏ لا أعلمه‏.‏

33 - ‏(‏ائتدموا‏)‏ أي أصلحوا الخبز بالإدام فإن أكل الخبز بدون إدام وعكسه قد يورث أمراضاً يعسر استخراجها فينبغي الائتدام ‏(‏ولو‏)‏ كنتم إنما تأتدمون ‏(‏بالماء‏)‏ القراح بأن تثردوا الخبز فكأنه خشي توهم خروج الماء عما يؤتدم به فأكد دخوله فيه بلو المدخلة لما بعدها فيما قبلها وذلك لأنه مادّة الحياة وسيد الشراب وأحد أركان العالم بل ركنه الأصلي فإن السماوات السبع خلقت من بخاره والأرض من زبده وظاهر الحديث أن الماء يتغذى به البدن وهو ما عليه جمع من الأطباء بناء على ما يشاهد من النمو والزيادة والقوة في البدن سيما عند شدة الحاجة له وأنكر قوم منهم حصول التغذية واحتجوا بأمور يرجع حاصلها إلى عدم الاكتفاء به وأنه لا يزيد في نمو الأعضاء ولا يخلف عليها ما حللته الحرارة وغير ذلك‏.‏ وعليه فالمراد بالغاية المبالغة، ‏"‏والماء‏"‏ جوهر سيال يضاد النار برطويته وبرده وعرفه إشارة إلى حصول المقصود بأي نوع كان منه‏.‏ هبه نزل من السماء أو حدث في الأرض بطريق الانقلاب من الهواء أو غيره وهو شفاف لا لون له على القول المنصور لا يقال‏:‏ نحن نراه أو نشاهده فلا يكون شفافاً لأنا نقول ذاك لتركبه من أجزاء ‏[‏ص 69‏]‏ أرضية ومن ثم لو بولغ في تصفيته وتقطيره في أواني صلبة ضيقة صار لا يكاد يرى‏.‏ ذكره الشريف في حواشي التجريد وغيرها، وعرفه بعضهم أيضاً بأنه جسم لطيف يبرد غلة العطش به حياة كل نار‏.‏ قال الحراني‏:‏ وهو أول ظاهر للعين من أشباح الخلق‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ وعينه واو ولامه هاء ولذلك صغر وكسر بمويهة وقد جاء أمواه‏.‏ قال‏:‏ ومن المجاز ما أحسن موهة وجهه أي ماءه ورونقه ورجل ماه القلب كثير ماء القلب أحمق

- ‏(‏طس‏)‏ وكذا أبو نعيم والخطيب وتمام ‏(‏عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه عريك ين سنان لم أعرفه وبقية رجاله ثقات، وقال ابن الجوزي‏:‏ حديث لا يصح فيه مجهول وآخر ضعيف‏.‏

34 - ‏(‏ائتدموا من‏)‏ عصارة ‏(‏هذه الشجرة‏)‏ شجرة الزيتونة لما تقرر من عموم منافعها وقوله ‏(‏يعني الزيت‏)‏ مدرج من بعض رواته بياناً لما وقعت الإشارة عليه‏.‏ قال ابن العربي وللشجر قسمان طيب ومبارك فالطيب النخلة والمبارك الزيتون ومن بركة شجر الزيتون إنارتها بدهنها وهي تكشف به الأسرار للأبصار وتقلب البواطن ظواهر ولذلك ضربه الله مثلاً ‏(‏ومن عرض عليه‏)‏ أن أظهر وقدم إليه يقال عرضته أي أظهرته وبرزته لع ليأخذه وعرضت المتاع للبيع أظهرته لذوي الرغبة ليشتروه ‏(‏طيب‏)‏ بكسر فسكون أي شيء من طيب كمسك وعنبر وغالية أي قدم إليه في نحو ضيافة أو وليمة أو هدية فلا يردّه كما يأتي في خبر، وإذا قبله ‏(‏فليصب‏)‏ أي فليتطيب يقال أصاب بغيته نالها وصاب السهم نحو الرمية وأصاب من امرأته كناية عن استمتاعه بها ‏(‏منه‏)‏ ندباً فإن المنة فيه قليلة وهو غذاء الروح التي هي مطية القوى والقوى تتضاعف وتزيد به كما تزيد بالغذاء والسرور ومعاشرة الأحبة وحدوث الأمور المحبوبة وغيبة من تسر غيبته ويثقل على الروح مشهده ولهذا كان من أحب الأشياء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وله تأثير كبير في حفظ الصحة ودفع كثير من الأسقام وأسبابها بسبب قوة الطبيعة‏.‏ وقد تتبع بعضهم ما ينبغي قبوله لخفة المنة فيه فبلغ سبعة ونظمها في قوله‏:‏

عن المصطفى سبع يسن قبولها * إذا ما بها قد أنحف المرء خلان

دهان وحلوى ثم در وسادة * وآلة تنظيف وطيب وريحان

- ‏(‏طس عن ابن عباس‏)‏ قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي وتبعه الهيتمي‏:‏ فيه النضر بن طاهر وهو ضعيف‏.‏ وبه يعرف ما في قول المؤلف في الكبير حسن‏.‏

35 - ‏(‏ائتزروا‏)‏ أي البسوا الإزار كخمار يذكر ويؤنث من الأزر وهو الشدة لأن المؤتزر يشدّ به وسطه، وأصله إئتزر افتعل بهمزتين الأولى للوصل والثانية فاء افتعل‏.‏ قال في الفائق‏:‏ واتزر عامي، حرّفه بعض الرواة وتأزير الحائط أن تصلح أسفله فتجعل له ذلك كالإزار ‏(‏كما رأيت‏)‏ أي أبصرت وشاهدت ‏(‏الملائكة‏)‏ ليلة الإسراء أو غيرها فرأى بصرية ولا يتعين جعلها علمية ‏(‏تأتزر عند‏)‏ مثلث العين ‏(‏ربها‏)‏ أي عند عرشه قالوا يا رسول الله كيف رأيتها تأتزر‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏إلى أنصاف‏)‏ جمع نصف ‏(‏سوقها‏)‏ بضم فسكون جمع ساق‏.‏ قال في المصباح‏:‏ والساق من الأعضاء أنثى وهو ما بين الركبة والقدم‏.‏ فإن قلت‏:‏ ما سر اقتصاره على بيان محل انتهاء الإزار من أسفل وعدم تعرضه لمبدئه من أعلى‏؟‏ قلت‏:‏ من المعروف أن معقد الإزار هو الوسط بإزاء السرة‏.‏ والغرض المسوق له الحديث بيان أن إسبال الإزار منهي عنه وأنه ليس من شأن الملأ الأعلى وأن المطلوب المحبوب تقصيره معتدلاً بحيث يكون سابغاً سبوغاً لا إسبال فيه وذلك بأن يكون إلى نصف الساق والملائكة جمع ملك تخفيف ملاك والتاء لتأنيث الجمع من الألوكة بمعنى الرسالة‏.‏ وقول الراغب‏:‏ الملائكة يقع على الواحد والجمع فيه تأمل غلبت على الجواهر العلوية النورانية المبرأة عن الكدورات البشرية الجسمانية التي هي وسائط بين الله تعالى والبشر، فإن قلت‏:‏ إذا كانت الملائكة نورانية فكيف وصفها بأن لها سوقاً‏؟‏ قلت‏:‏ لا مانع من تشكل النور كالإنسان في بعض ‏[‏ص 70‏]‏ الأحيان فهذا الشكل المخصوص مثال تمثل به الملك له وإن كانت له صورة حقيقية مشتملة على أجنحة وغيرها والملائكة والجن ترى بصور مختلفة كما بينه الغزالي، قال‏:‏ والملائكة تنكشف لأرباب القلوب تارة بطريق التمثل والمحاكاة وتارة بطريق الحقيقة، والأكثر هو التمثيل بصورة محاكية للمعنى هو مثال المعنى لا عين المعنى إلا أنه يشاهد بالعين مشاهدة محققة وينفرد بمشاهدته المكاشف دون من حوله كالنائم ولا تدرك حقيقة صورة الملك بالمشاهدة إلا بأنوار النبوّة انتهى‏.‏ وبه يعلم أن تمثلهم له بهيئة الائتزار إرشاد له إلى الدوام عليه وأمر أمته به وإلا فالملك لا عورة له يطلب سترها بالإزار‏.‏ قال التفتاراني‏:‏ والملائكة لا ذكور ولا إناث، وقال بعض شراح الشفاء‏:‏ إطلاق الأنوثة عليهم كفر بخلاف الذكورة، وفي تذكرة ابن عبد الهادي عن يحيى بن أبي كثير أنهم صمد لا أجواف لهم‏.‏ ومقصود الحديث النهي عن إرسال الإزار

- ‏(‏فر‏)‏ من حديث عمران القطان عن المثنى بن صباح ‏(‏عن عمرو بن شعيب‏)‏ بن محمد بن عبد الله ابن عمرو السهمي، قال يحيى القطان‏:‏ إذا روى عن عمرو ثقة فهو حجة‏.‏ وقال أحمد‏:‏ ربما احتججنا به، مات سنة ثمان عشر ومئة بالطائف ‏(‏عن أبيه‏)‏ شعيب قال الذهبي‏:‏ سماعه عن أبيه متيقن ‏(‏عن جده‏)‏ عبد الله بن عمرو بن العاص أحد العبادلة الأربعة أسلم قبل أبيه وكان من علماء الصحابة العباد، مات بالطائف أو بمصر سنة خمس وستين، ثم إن عمران القطان أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه يحيى والنسائي والمثنى ضعفه ابن معين، وقال النسائي‏:‏ متروك، وقال الزين العراقي في شرح الترمذي‏:‏ فيه المثنى بن الصباح ضعيف عند الجمهور، وقال ابن حجر في زهر الفردوس المثنى ضعيف وكرره، والحديث رواه الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور عن صحابيه المزبور، قال الهيتمي عقبه وفيه المثنى بن الصباح ويحيى بن يشكر ضعيفان وعنه ومن طريقه خرجه الديلمي فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى‏.‏

36 - ‏(‏إئذنوا‏)‏ بكسر الهمزة الأولى وسكون الثانية من الأذن وهو لغة الإعلام وشرعاً فك الحجر وإطلاق التصرف في شيء لمن كان ممنوعاً منه شرعاً ‏(‏للنساء‏)‏ اللاتي لا يخاف عليهن ولا منهن فتنة أو ريبة ‏(‏أن يصلين بالليل في المسجد‏)‏ لامه للجنس والأمر للندب إذ لو كان للوجوب لكان الخطاب لهن كما في نحو‏:‏ ‏"‏وأقمن الصلاة‏"‏ ولانتفى معنى الاستئذان ولما قال في الرواية الأخرى ‏"‏وبيوتهن خير لهن‏"‏ قال ابن جرير‏:‏ وإذا شرع الآذن لها فيما يندب شهوده كجماعة ففيما هو فرض كأداة شهادة وتعلم ديني أو مندوب مؤكد كشهود جنازة أحد أبويها أولى، قال الراغب والآذن يعبر به عن العلم لأنه مبدأ كثير من العلم فتناول الآذن في الشيء إعلام بإجازته والرخصة فيه لكن بين الآذن والعلم فرق فإن الآذن أخص ولا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشتبه، ضامه أمر أم لا

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود وهو بفتح الطاء ومثناه تحت وكسر اللام نسبة إلى الطيالسة التي تجعل على العمائم كذا قاله السمعاني واسمه سليمان بن داود ابن الجارود أصله من فارس وسكن بالبصرة ثقة حافظ غلط في أحاديث ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب رمز لحسنه وفيه إبراهيم بن مهاجر، فإن كان البجلي الكوفي فقد أورده الذهبي في الضعفاء أو المدني فقد ضعفه النسائي أو الأزدي الكوفي فقد تركه الدارقطني‏.‏

37 - ‏(‏إئذنوا للنساء‏)‏ أن يذهبن ‏(‏بالليل إلى المساجد‏)‏ عام في كلهن، وعلم منه ومما قبله بمفهوم الموافقة على أنهم يأذنون لهن نهاراً أيضاً لأنه أذن لهن ليلاً مع أن الليل مظنة الفتنة فالنهار أولى فلذلك قدم مفهوم الموافقة مفهوم المخالفة، إذ شرط اعتباره أن لا يعارضه مفهوم الموافقة على أن مفهوم الموافقة إذا كان للقب لا لنحو صفة لا اعتبار به أصلاً كما قاله الكرماني كغيره، ولهذا قال بعض أكابر الشافعية الليل هنا لقب لا مفهوم له وعكس بعض الحنفية فوقف مع التقييد بالليل محتجاً بأن الفساق فيه في شغل بنومهم أو فسقهم وينتشرون نهاراً، ورده ابن حجر بأن مظنة الريبة في الليل أشد وليس لكلهم فيه ما يشغلهم وأما النهار فيفضحهم غالباً ويصدهم عن التعرض لهن ظاهراً لكثرة ‏[‏ص 71‏]‏ انتشار الناس وخوف إنكارهم عليهم، ثم هذا الأمر الندبي إنما هو باعتبار ما كان في الصدر الأول من عدم المفسدة ببركة وجود حضرة النبوة ومنصب الرسالة كما يفيده وخبر الشيخين عن عائشة‏:‏ ‏"‏لو أدرك النبي ما أحدث النساء بعده لمنعنهن الخروج إلى المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل‏"‏ أما الآن فالإذن لهن مشروط بأمن الفتنة بهن أو عليهن أن تكون عجوزاً غير متطيبة في ثياب بذلة وفيه منع خروج المرأة إلا بإذن حليل لتوجه الأمر إلى الزوج بالإذن، ذكره النووي ونازعه ابن دقيق العيد بأنه إذا أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب وهو ضعيف لكن يقويه أن منع الرجال نساءهم أمر مقرر معروف

- ‏(‏حم م د ت عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ظاهره أن هذا مما انفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه‏.‏ وقد قال العراقي في المعنى‏:‏ متفق عليه من حديث ابن عمر باللفظ المذكور‏.‏

38 - ‏(‏أبى الله‏)‏ أي لم يرد‏.‏ قال في الكشاف في قوله تعالى ‏{‏ويأبى الله إلا أن يتم نوره‏}‏ أجرى أبى مجرى لم يرد، ألا ترى كيف قوبل‏:‏ ‏{‏يريدون أن يطفئوا‏}‏ بقوله ‏{‏ويأبى الله‏}‏ وأوقعه موقع لم يرد‏.‏ وقال الراغب‏:‏ الإباء شدة الامتناع فكل إباء امتناع ولا عكس والأول هو المناسب هنا ‏(‏أن يجعل‏)‏ قال الحراني من الجعل وهو إظهار أمر عن سبب وتصيير‏.‏ وقال الراغب‏:‏ جعل لفظ عام في الأفعال كلها وهو أعم من فعل وصنع وسائر أخواتها ‏(‏لقاتل المؤمن‏)‏ بغير حق ‏(‏توبة‏)‏ إن استحل وإلا فهو زجر وتخويف أما كافر غير ذمي فيحل بل يجب قتله ومذهب أهل السنة أنه لا يموت أحد إلا بأجله وأن القانل لا يكفر ولا يخلد في النار وإن مات مصراً وأن له توبة‏.‏ والقتل ظلماً أكبر الكبائر بعد الكفر وبالقود أو العفو لا تبقى مطالبة أخروية ومن أطلق بقاءها أراد بقاء حق الله إذ لا يسقط إلا بتوبة صحيحة والتمكين من القود لا يؤثر إلا إن صحبه ندم من حيث الفعل وعزم أن لا يعود

- ‏(‏طب والضياء‏)‏ الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي ‏(‏في‏)‏ كتاب الأحاديث ‏(‏المختارة‏)‏ مما ليس في الصحيحين ‏(‏عن أنس‏)‏ قال في الفردوس صحيح ورواه جمع عن عقبة بن مالك الليثي وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأغاروا على قوم فشذ رجل منهم فاتبعه رجل من السرية شاهراً سيفه فقال‏:‏ إني مسلم فقتله فنهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قولاً شديداً ثم ذكره‏.‏

39 - ‏(‏أبى الله أن يرزق عبده المؤمن‏)‏ المتقي المتوكل على ربه كما تؤذن به إضافته إليه وهو من انقطع إلى الله ومحص قصده للالتجاء إليه فلم يلتفت للأسباب وثوقاً بالمسبب بدليل خبر الطبراني‏.‏ ‏"‏من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها‏"‏‏.‏ والحديث يفسر بعضه بعضاً ولهذا قال بعضهم هذا لا يكون إلا لخواص عباده لأنه تعالى يغار عليهم أن يعتمدوا أو يلتفتوا لأحد سواه فيصير رزقهم في الدنيا كحالهم في الجنة ليس لأحد من الخلق فيه منة ‏(‏إلا‏)‏ قال الحراني مركبة من أن ولا مدلولها نفي حقيقة ذات عن حكم ما قبلها ‏(‏من حيث لا يحتسب‏)‏ أي من جهة لا تخطر بباله ولا تختلج بآماله‏:‏ ‏{‏ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب‏}‏ والرزق إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أهنأ وأمرأ كما أن الخبر السار إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أسر، والشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغم وأشر، فالتقوى تصير رزقه من غير محتسبه فبسقوط المحتسبية عن قلبه يعلم أنه متق‏.‏ قال سفيان الثوري‏:‏ اتق الله فما رأيت تقياً محتاجاً‏.‏ والمحسبة مظان الرزق ومصادره وأسبابه‏.‏ قال الحراني‏:‏ وفيه إشعار بأنه عطاء متصل لا يتجدد ولا يتعدد لأن كل محسوب في الابتداء محاسب عليه في الإعادة فكان في الرزق بغير محسبة بشرى برفع الحساب عنه فالمؤمن الكامل يشهد الرزق بيد الرازق يخرج من خزائن الغيب فيجريه بالأسباب فإذا شهد ذلك كان قلبه مراقباً لما يصنع مولاه وعينه ناظرة لمختاره له معرضة عن النظر للأسباب فالساقط عن قلبه محسبة الرزق من أين وكيف ومتى بحيث لا يتهم ربه في قضائه يؤتى رزقه صفواً عفواً وتقواه معه وعلى رزقه طابع الإيمان والمتعلق بالأسباب قلبه جوال فإن لم يدركه لطف فهو كالهمج في ‏[‏ص 72‏]‏ المزابل يطير من مزبلة إلى مزبلة حتى يجمع أوساخ الدنيا ثم يتركها وراء ظهره وينزع ملك الموت مخالبه التي اقتنص بها الحطام ويلقى الله بإيمان سقيم دنس وينادى عليه يوم القيامة هذا جزاء من أعرض عن الله وإحسانه واتهم مولاه فلم يرض بضمانه‏.‏ فتح الله لنا طريق الهداية إليه ويسر لنا منهج التوكل عليه ‏.‏